احمد بن سعيد

هو أحمد بن سعيد بن أحمد بن محمد بن عبدالمجيد بن سعيد بن مبارك آل بوسعيد المتصل نسبه بالقائد Ù†ØªÙŠØ¬Ø© بحث الصور عن أحمد بن سعيد البوسعيديالعظيم المهلب بن أبي صفرة ، الملقب بالمتوكل على الله ، مؤسس الدولة البوسعيدية المعاصرة في سلطنة عمان ، ولد في بلدة أدم أيام دولة اليعاربة ، بدأ حياته كتاجر، حيث امتهن هذه الحرفة كغيره من أهل أدم ، وأصبح أحد أغنى التجار، فعظم شأنه بينهم ، فعيّنه الأمام سيف بن سلطان الثاني – إمام دولة اليعاربة آنذاك – واليا على صحار ، وفوّض إليه أمورا كثيرة ، لما لمسه من حسن سيرته .

برزت شخصية أحمد بن سعيد كشخصية سياسية في الفترة التي بدأت تضعف فيها دولة اليعاربة ، وذلك حينما انقسم العمانيون بين مؤيد ومعارض لإمامة الإمام سيف بن سلطان الثاني ، والتي كان من نتائجها دخول عمان في اضطرابات وحروب أهلية ، مما دفع ببلعرب بن حمير إلى المطالبة بالإمامة ، هذه الأحداث دفعت الإمام سيف إلى الاستعانة بالمساعدة الخارجية ، ولم يجدها سوى لدى بلاد فارس ، التي استغلّت الفرصة من أجل تحقيق أطماعها التوسعية في عمان والساحل الغربي للخليج العربي ، فتمثّلت فيما عُرف بالحملات الفارسية على عمان .

ومقابل كل ذلك أجمع مشايخ العلم على إنقاذ الوضع بتنصيب إمام آخر، فعقدوا الإمامة لسلطان بن مرشد اليعربي ، ووافقت عليه معظم القبائل ، فدخل في مواجهات عسكرية مع الفرس ، الذين أخذوا يتوغّلون في الأراضي العمانية ، وقد أسفرت هذه المواجهات عن إصابة الإمام سلطان بن مرشد بجروح كبيرة ، أدّت إلى وفاته وهو في حصن صحار لدى الوالي أحمد بن سعيد ، صحار تلك المدينة التاريخية التي شاء لها القدر أن تلعب دوراً مهماً في المقاومة الوطنية ، وحينما علم سيف بن سلطان الثاني بموت سلطان أعلن الانسحاب من مسرح الأحداث ، فاتّجه إلى الرستاق حزينا نادما على ما فعله في عمان ، بقى فيها أياما ، حتى وافاه الأجل هناك ، فدفن في حصن الحزم ، وبوفاة القائدين سيف وسلطان أصبحت الظروف مهيأة لوالي صحار، ليتسلّم القيادة السياسية ، فتمكّن بشخصيته الدبلوماسية الفذة من احتواء الموقف بذكاء ، فقد كان من الصعب عليه الدخول مباشرة في مواجهات عسكرية وعمان بين سندان الاحتلال الفارسي ومطرقة الحروب الأهلية ، فعقد اتفاقية مهادنة مع القيادات الفارسية ، نصّت على أن يؤمّن أحمد بن سعيد رحيل الفرس من صحار ، على أن ينحسر بقاء قواتهم في مسقط ومطرح ، وتحديدا في قلعتي الجلالي والميراني ، ويتعهّد بدفع ضريبة سنوية لهم على أن تصبح بركاء وصحار تحت سيادته ، وتحقق له ما أراده ، وتختلف المصادر في ذلك ، فالمصادر العمانية تذكر أن الفرس هم من طلبوا الصلح مع أحمد بن سعيد بهدف ‏تأمين خروجهم من صحار بعد أن استحال عليهم احتلالها , بينما المصادر ‏الفارسية تقول إن أحمد بن سعيد هو من أبدى مرونة مع الفرس ، مما أكسبه ثقتهم ، لذا فقد قبلوا ‏الانسحاب من صحار لمواجهة المشاكل الداخلية التي بدأ يتعرض لها حاكمهم نادر شاه , الذي ‏كان يخوض حرباً ضارية ضد العثمانيين , ومهما كان الأمر فالمحصّلة تبقى واحدة ، إذ إن تلك المهادنة أتاحت لأحمد بن سعيد فرصة التقاط الأنفاس ، ويجمع المؤرخون على أن مهادنة أحمد بن سعيد للفرس تدل على تميّزه بقدر كبير من الحنكة والدهاء ، فهو بذلك أعطى لنفسه فسحة من الوقت لحل المشكلات الداخلية ، وبعدها بدأ بإعداد خطة لإخراج حاميات الفرس الموجودة في مسقط ومطرح ، حين فرض عليها الحصار ، .‏وحوّل التجارة من مسقط إلى بركاء ، وإمعاناً في إطباق الحصار قرر إعفاء التجارة ‏القادمة إلى بركاء من الضرائب الجمركية ، مما أغرى السفن التجارية على التوقف في ‏مينائها بدلاً من مسقط ، الأمر الذي ساعد على تدهور أوضاع الحامية الفارسية ، سواء لنفاذ ‏ذخيرتهم أو لانقطاع المؤن عنها ، فأصيبت بأضرار اقتصادية كبيرة ، زادت من حرجها الذي دفعها إلى الاستسلام والانسحاب من عمان .

إن الدور الذي لعبه والي صحار، والنجاح الذي رسمته قدراته القيادية ، وفنّ التعامل مع أخطر المواقف التي مرّت بها عمان ، جعلت منه الرجل الذي عوّل عليه العمانيون الشيء الكثير ، فغدا أمامهم رمزا للوحدة الوطنية ، فأجمعت القبائل العمانية على مبايعته بالإمامة ، وكان ذلك إعلانا بسقوط دولة اليعاربة وبداية عهد جديد في عمان هو عهد الدولة البوسعيدية ، التي انطلقت من الرستاق عام 1744م .
لقد استطاع أحمد بن سعيد أن يكسب ثقة أهل عمان منذ بداية مساندته لسلطان بن مرشد في حربه ضد الفرس، تلك الثقة نفسها هي التي أثارت الشكوك لدى الإمام ‏سيف الذي ساورته الظنون حول رغبة أحمد بالاستئثار بالإمامة , لذلك أصدر أوامره ‏بالقبض عليه ، حين استدعاه إلى مسقط ، في الوقت الذي كان لايزال مسيطرا عليها ، ولكن أحمد بذكائه أدرك ما يدبره له ‏الإمام سيف فآثر عدم الامتثال لأوامره.‏
أمّا عن أهم أعماله الداخلية فقد تمثّلت في العمل على ترسيخ حكمه ، وتثبيت أركان دولته بالحصول على مبايعة المدن والقبائل التي لم تبايعه في عام1744م ، فكان له ذلك في نزوى وبهلاء ، وسلّمت له الرستاق وسمائل وأزكي ومدن الشرقية ، فدانت له جميع مدن وسواحل عمان ، فلا شكّ أن هذه الجهود قد كلفته جهدا مضنيا ، فمن جانب آخر اضطر إلى مواجهة اليعاربة والثورات التي قاموا بها بسبب فقدانهم للحكم ، فاستخدم معهم أسلوب القوة والحسم تارة ، واللين في كثير من الأحيان ، حتى نجح في تجاوز هذه المعضلات.
وقد شهدت عمان في عهده تطورا في النظامين الإداري والمالي والنظام القضائي ، الذي اتّصف في عهده بالاستقلالية ، وكان يراعي التقسيمات الإدارية لمناطق عمان قبل تعيين هؤلاء الولاة عليها ، وقام بوضع قواعد جديدة من أجل تحديث النشاط الاقتصادي والتعليمي ، وبناء الأسطول التجاري الحربي بما يتناسب وحجم التحديات التي كانت تواجهه آنذاك ، فأصبحت مسقط في عهده من أهم المدن والموانئ التجارية في منطقة الخليج والمحيط الهندي . كما عني بتوثيق علاقات الجوار مع القبائل العربية القاطنة في ‏جنوب فارس , وتحالف مع قبائل بني كعب عند شط العرب ونهر ‏الفاروق ، كما وطّد علاقاته مع قبائل بني معن القاطنة غرب بندر عباس , كل هذه ‏العلاقات كانت بهدف الحيلولة دون تمكن فارس من أن تنال أهدافها التوسعية في عمان ‏، لذلك فشلت جهودها في السيطرة على القبائل العربية هناك.
امتدّت علاقات أحمد بن سعيد فشملت القوى الإقليمية المختلفة ، كالقوى الأوروبية المتنافسة على التجارة في المحيط الهندي وبالأخص بريطانيا وفرنسا ، والتي كان الصراع بينهما في تلك الفترة صراعا من أجل الحصول على مناطق النفوذ والامتيازات ، وبسبب موقع عمان الاستراتيجي المميز فقد حاولت كل منهما ضمها إلى مناطق نفوذها ، ولكنّ الإمام فطن إلى تطلعاتهما الاستعمارية ، فرسم سياسته الخارجية معهما على مبدأ الحياد ، كما امتدّت علاقاته إلى الدولة العثمانية والهند , فموقع عمان المتميز جعلها تلعب دور حلقة الوصل بين الهند من جهة وشبه الجزيرة العربية من جهة أخرى ، مما ساعد في نشأة علاقات طيبة معها ، اتّسمت في عهده بالطابع التجاري . لقد كان للدبلوماسية التي اتّبعها الإمام في تطوير علاقاته بالهند أثر واضح في العلاقات الخاصة مع حاكم مانجالور ، على أثر الأحداث المتعلقة بأعمال القرصنة على سواحل ملبار ، التي أدّت إلى انقطاع وصول الأرز إلى عمان ، مما دفع بالإمام أحمد إلى إرسال أسطول للقضاء على هذه الأعمال ، وقد تّوّجت هذه العلاقات بينهما بإبرام معاهدة 1766م ، التي ‏وضعت الأسس لعلاقات اقتصادية وسياسية بين البلدين كانت على درجة كبيرة من الأهمية ، كان من نتائجها قيام الإمام أحمد بإنشاء دار لمبعوث الحاكم الهندي في مسقط ، والتي أصبحت تّعرف ببيت النواب .‏
أما في ما يخص علاقته بالدولة العثمانية فقد كان أهم حدث في علاقته بها موقفه من الحصار الفارسي للبصرة في عام 1775م ، حين قام بإرسال أسطول بحري في محاولة منه لفك الحصار عنها. وقد أشاد السلطان العثماني مصطفى الثالث بهذه المساعدة ، فأصدر مرسوما يقضي بدفع مكافآت مالية سنوية لعمان ، استمرت طيلة فترة حكم الإمام . كما كان لهذه المساعدة أثر في منح السلطات العثمانية حرية التجارة للعمانيين في العراق ، وأمر بإبقاء الرسوم الجمركية المفروضة على تجارة القهوة التي كان العمانيون يتاجرون بها إلى البصرة على ما كانت عليه من قبل .
الملاحظ أن عمان وفي أقل من عشر سنوات استطاعت أن تعيد كل مقوماتها ، ووصلت إلى درجة من الاستقرار والرقي ، لدرجة أن التقارير الإنجليزية والهولندية وقتئذٍ قد ‏اعترفت بالسيادة العمانية على كثير من شواطئ الخليج العربي والمحيط الهندي ، وأشادت ‏بفطنة وذكاء الإمام أحمد , ذلك الذكاء الذي ساعده على استمالة أبناء وطنه ، وتسامحه في ‏التعامل مع الأجانب ، فامتدّ نفوذه إلى شواطئ الهند وشرقي أفريقيا.
وتجمع المصادر العربية والأوروبية على أن الإمام أحمد بن سعيد قد نقل البلاد نقله ‏هائلة ، من خلال سلطة مركزية ، عنيت بكل مجالات التنمية ، اعتماداً على رصيد ضخم من ‏التجربة البحرية والتجارية , ففي الوقت الذي عمّت منطقة الخليج حالة من الفوضى ‏السياسية والاقتصادية ، كان العمانيون يمضون قدماً نحو ترسيخ قواعد الدولة الحديثة ، التي ‏حظيت وفي أقل من عشر سنوات بتقدير واحترام كل القوى الأوروبية المتنافسة , لذا ‏فقد حرصت كل الدول الأوروبية على إقامة وكالات تجارية في المدن العمانية ، ‏وخصوصاَ مسقط التي أصبحت منذ 1790م واحدة من أهم المدن الآسيوية ، وفقاً لتقرير ‏أعدته شركة الهند الإنجليزية . يمكن القول بإنه إذا كانت دولة اليعاربة قد وصفت بأنها دولة بحرية حربية ، فمن ‏المناسب وصف دولة البوسعيد في عهد الإمام أحمد بن سعيد بأنها دولة بحرية حربية تجارية .


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

احمد بن سعيد البوسعيدي